السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هل تحب الله ؟!
قد تستغرب سؤالي وتجيب من غير تردد أو تفكير طبعاً أحب الله .. لكن وقبل أن تكمل إجابتك ألقي بين يديك السؤال التالي .. ماذا فعلت من أجل من تحب ؟؟!
تعصي الإله وأنت تظهر حبه **** هذا وربّي في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته **** إن المحب لمن يحب مطيع
متى تتجلّى هذه الصورة في قلوبنا، فنكون مقبلين على طاعة الله بحب ورضى، طاعة مطلقة من دون أي اعتبارات ومن دون تشاغل وغفلة أو تثاقل وكسل.
نطيع كل من نحب من بني البشر ونبذل لأجلهم ما نقدر عليه وما لا نقدر، فقط من أجل ابتسامة رضى في أعينهم، نبذل جهدنا ووقتنا بالتفكير بمن نحب، نحرص على مشاعرهم ورغباتهم، نبادر لفعل ما هو محبب لهم، نتقرب إليهم بما يحبّون من أشياء أو تصرفات، نبتعد عن أي شيء يزعجهم أو يعطي انطباعاً غير مرضي لديهم، نلتزم بمواعيدنا معهم بالدقيقة للدلالة على احترامنا لهم ولمواعيدهم، نلغي أي أعمال أخرى لتلبية رغباتهم، نقدمهم على أنفسنا، نعطي لهم من غير أن ننتظر منهم مقابل، كلامهم يعني لنا الكثير وقد يصبح أبياتاً من الشعر نرددها صباح مساء، نناديهم بأحب الأسماء إليهم ونتودد إليهم بذلك، رسائلهم تعني لنا الكثير، نقرأها المرة تلو المرة، وفي كل مرة يكون لها معنى جديد ونكهة خاصة، نقرأها قبل أن ننام لترافقنا صدى كلماتها إلى الأحلام أو لنختم بها يوماً فنعتبره جميل؟!! وغير ذلك الكثير مما تعنيه مشاعر الحب بين بني البشر.
إذا كانت هذه هي سمة الحب بين بني البشر فكيف بحبنا لله جل شأنه ؟؟! ألا يجب أن تكون أسمى وأعظم !!!
قال رسول الله : " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار " .
[رواه البخاري ومسلم ]
وقد أفاد الإمام الجليل ابن القيم في كتابه الداء والدواء أن المحبوب قسمان : محبوب لنفسه، ومحبوب لغيره.. وكل ما سوى المحبوب الحق سبحانه وتعالى فهو محبوب لغيره وليس شيء يُحب لذاته إلا الله وحده، لأنه سبحانه المتفرد بالكمال المطلق والجمال التام، وكل ما سواه هو تبع لمحبته سبحانه كمحبة الملائكة والأنبياء والأولياء، التي هي لازمة لمحبة الله عز وجل ، لأن محبته توجب محبة من يحبه .
فحب الله تعالى هو أعلى أنواع الحب. ولذا من أحب الله بحق أطاع أمره واتبع شرعه. يقول الله تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) ) [ آل عمران : 31-32]
فالمخالفة والعصيان دليل كذب المحبة أو نقصانها ، ولذا فطريق حب الله يتمثل في ترك المعاصي وأداء الفرائض والإكثار من النوافل .
وحينما ترسخ محبة الله في قلب المؤمن ، وتتعمق جذورها ، كان الله عز وجل هو الغاية في كل شيء ، وآثره المرء على كل شيء ، وضحّى من أجله بكل شيء ، لأنه شعر بحلاوة الإيمان ولذة اليقين ، فأصبحت بقية اللذائذ الدنيوية لا قيمة لها أمام هذه اللذة .
قال الجنيد رحمه الله : الناس في محبة الله تعالى عام وخاص ، فالعوام نالوا ذلك بمعرفتهم في دوام احسانه وكثرة نعمه فلم يتمالكوا أن أرضوه إلا أنهم تقل محتبهم وتكثر على قدر النعم والإحسان ، فأما الخاصة فنالوا المحبة بعظم القدر والقدرة والعلم والحكمة والتفرّد بالملك . ولما عرفوا صفاته الكاملة وأسماءه الحسنى لم يتمنعوا أن أحبّوه إذ استحق عندهم المحبة بذلك لأنه أهل لها ولو أزال عنهم جميع النعم .
قال أحدهم في علامات المحبة أبياتاً :
لا تخدعنّ فللحبيب دلائل **** ولديه من تُحف المحب وسائل
منها تَنَعُّمه بمرّ بلائـــــــه **** وسروره في كل ما هو فاعــل
فالمَنْع منه عطية مقبـولة **** والفقـــر إكرام وبــرٌ عاجـــــل
ومن الدلائل أن ترى من عزمه **** طوع الحبيب وإذ ألحّ العاذل
ومن الدلائل أن يُرى متبسماً **** والقلب فيه من الحبيب بلابل
ومن الدلائل حزنه ونحيبه **** جــوف الظــلام فما له من عاذل
ومن الدلائل أن تراه وافراً **** نحو الجهاد وكل فعل فاضــل
ومن الدلائل زهده فيما يرى **** من دار ذل والنعيم الزائل
ومن الدلائل أن تراه باكياً **** أن قد رآه على قبيح فعائل
ومن الدلائل أن تراه مسلّما **** كل الأمور إلى المليك العادل
ومن الدلائل أن تراه راضياً **** بمليكه في كل حكمه نازل
فلينظر كل منا أين هو من هذا المقام الأسمى.. محبة الله عز وجل؟ وهل سعى إلى تحصيلها صادقاً؟. المراد لفتة منك واستحكام لقلبك فلا يتوغّل في محبة البشر عن محبة مستحقها رب العزة والجبروت، ولا يتوغّل بمحبة الدنيا وبُهرجها من مال وجاه وسلطان وشهوات فكلما انجرفت بهذا الاتجاه كلما انشغل قلبك وانغمس في ذلك مبتعداً عن محبة الله تعالى وطاعته فكنت بعبادتك كالآلة بلا روح، لأنها ببساطة معلّقة بحب مخلوقات الله؟!
وشكرااااااااااااااا لكم