أشجان وأمل
عبد الله ضراب الجزائري
هذه قصيدة تحاول تصوير الواقع المتردّي والمخزي الذي تتمرّغ فيه امّتنا الإسلامية بموت
النّخوة الايمانية في نفوس اغلب ابنائها، الذين اعرضوا عن هدى ربهم، وراحوا
يتهافتون على الأهواء والشّهوات، كما تتهافت بعض الخنافس على القاذورات
والنّجاسات، وبعض الفراشات حول ألسنة النّار في العتمات، فقد حدا قائلها
السّأم والحزن الى ركوب القريض والتّوغل في مفاوز وحُزون الشّكوى بطريقة
شبه هستيرية تنمُّ عن شدّة التّألُّم والمعاناة، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم
***
عَبَثاً أُحاولُ أنْ أسافرَ في الصَّدى ... وأسايِرَ العيشَ المُلوَّثَ بالرَّدَى
وأخوضَ في الجُرْحِ العنيدِ مُغامِراً ... وأصُدَّ طيف المخزيات إذا بداَ
عبَثاً أحاولُ أن أسيلَ فلم أعُدْ ... في الدَّهرِ إلا َّراسباً مُتجمِّداَ
وهناك في قعرِ الهوان تراكمتْ ... رِمَمُ المنى فوق الأنا فَتبلَّدَ
عَبثاً أحاولُ أن أقومَ فأنَّني ... أمسيتُ في زمَنِ التَّهافتِ مُقعَداَ
وجعلتُ لي لحنَ النُّعاةِ مَواوِلا ً... ورضيتُ لي شِرْبَ المرارة مَوردَا
فيؤزُّنِي شَجْوُ الضذَّريرِ إذا شكا ... ويغيظُني شدو الغريرِ إذا شَدَا
أَوَ يا هلالَ السَّعْدِ غِبتَ مُبكِّرًا ... وتركتني أرعى الظَّلام مُسهَّداَ
ونسيتني أشكو الورى مُتبرِّماً ... وجعلتَ دوني باب نورك مُوصداَ
وأبحتَ جرحي للذُّبابِ وللقذى ... وكسرتَ كأسي عابثا مُتعمِّداَ
ولقد ألفتُ الهمَّ ينهشُ خافقي ... وألفت ُعيشا بالأسى متنكِّدا
تتواثبُ الآهاتُ في جنباتِهِ ... ويظلُّ بومُ المُرْزِئاتِ مُغرِّدَا
ولَئنْ حجبتَ النُّورَ عني تهاوناً ... فلقد وجدتُ النُّورَ في شمس الهُدَى
فبها يُنارُ السَّعدُ في عُتَمِ الونى ... ويعودُ دربُ السَّالكين مُمهَّداَ
وتَعِنُّ في الأفُقِ الرَّهيبِ غمامة ٌ ... تُزْجِي الى الحُلُمِ الجَديبِ تورُّداَ
فتغورُ في عين العُداةِ شماتة ... عصفتْ بوهْجِ المكرُمات فأُخمِداَ
ويصيرُ عُرْسُ الكاشحين نياحة ً... ويعودُ زهوُ الحاقدين تنكُّداَ
ولئنْ أراحَ الكفرَ فَيضُ مواجعي ... ورصاصُ رُزْءٍ قد أصابَ فأقصداَ
فمَعَاذَ ربِّ الكائنات بأن يَكُنْ ... ليلُ التَّقهقرِ والمهانةِ سَرْمَداَ
ومعاذَ ربِّ النَّائبات بأنْ أُرَى ... لِجُؤارِ أهل المخزيات مُقلِّداَ
قسَماً بربِّي ما شكوتُ من الورى ... حُزناً لضرٍّ أو أغازلُ سُؤدَدَا
لكنَّ حزني من تقهقر أمَّة ٍ... نَكلَتْ وهدَّتْ بالهوى سُنَنَ الهدى
فغدت غُثاءً تافهاً مُترسِّباً ...عبثتْ بها كفُّ الخيانةِ والعِدَى
هذا النِّفاقُ مُجاهرٌ بعوارِهِ ... والحقُّ يُوءَدُ في الهوان مُصفَّداَ
والشَّعبُ يمخُرُ في الرَّذيلة راضيًا ... عَبَدَ المطامِعَ والهوى فَتَهَوَّدَ
فتراهُ يهتفُ للنَّذالةِ طامعاً ... وتراهُ يسعى للوضاعة قاصدَا
وَتَصَهْينَ الأمرُ الضَّريرُ فقد غدا ... كالسَّيف في كفِّ البُغاة مُجرَّداَ
يحمي الخيانة َ والخلاعة َ والخنا ... ويَهِرُّ في وجه الهُداةِ مُهدِّداَ
***
عودوا الى لبِّ الشَّريعة ترتقوا ... وخُذوا لكم ظهرَ المعارف مِصعداَ
وتمسَّكوا بالنَّازلات من السَّما ...واسترشدوا بالنَّاصعات من الهُدَى
ثمَّ اسلكوا نهجَ الإلهِ بعزَّةٍ ... وتيَمَّمُوا شِرْبَ الفضيلة مَوْرِداَ