إلى أهل الإيمان والحكمة في اليمن
عبد الله ضراب الجزائري
*
إنَّ أشدّ ما يؤلم القلب ويحزّ فيه غفلة المسلمين عن مكائد الأعداء وانقيادهم
لهم إلى مصارع الشّقاق والبلاء بسهولة عجيبة تنمّ عن بلاهة وغباء، وكأن جسم
الأمة الإسلامية قد تحوّل إلى رُقع مبتورة وأشلاء منثورة فلا تكاد تشعر
قطعة بأخرى، ولا تستفيد من معاناة كلّ قطعة في بناء مناعتها ضد تلك الخطط
والمكائد، وهذه الأبيات موجَّهة إلى عقلاء اليمن وكلّ عقلاء وعلماء الأمة
الإسلامية علّهم يتداركون الشّعب اليمني من قبل أن ينخره الشّقاق والشّقاء،
فالشّقاق بين أبناء الأمة يحلق الدّين كما تحلق الموسى الشّعر، ويهدّه كما
يهدّ الزّلزال البناء.
***
رُزْءُ المَنايا يَشقُّ القلبَ بالحَزَنِ ... فالقلبُ منفطرٌ بالهمِّ والإِحَنِ
تَرَاكُمُ الوَجْدِ هَا قَدْ شَفَّناَ ألماً ... من أُمَّةٍ جَدِبَتْ من خُضْرَةِ الفِطَنِ
ما عادَ ينفعُها زَجْرٌ يُحذِّرُها ... من فَخَّ صائدها المنصوبِ في الزَّمَنِ
كم مَرَّةٍ وقعتْ لكنَّها وَقَعتْ ... بعد الوُقوعِ ولم تنهلْ من السُّنَن1ِ
كم مرَّةٍ خُدِعتْ من بعد ما خُدِعَتْ ... ما صانها علمُها بالسِّرِّ من وَهَنِ
غارتْ بصائِرُها في الجهلِ وانطمَسَتْ ... بالغِلِّ في غَمراتِ الغَارِبِ الأسِنِ
سهمُ العِدَى طالَها بالكَيْدِ فانفَرَطتْ ... حَبّاتُها في رُغَامِ الكُرْهِ والوَثَنِ
بالأمسِ نالتْ مَقَادِيشُو مَعَاوِلَهُ ... واليومَ تَزْحَفُ للتَّدمِيرِ في عَدَنِ
والدَّاءُ يَنخَرُ باكِستانَ ما خَفَتَتْ ... منهُ المَواجِعُ حتَّى بانَ في اليَمَنِ
الله أنذرَ من غِلٍّ يُمزِّقنا ... أما تَحِنُّ قلوبُ النَّاس للسَّكَنِ؟
والذِّكرُ يصدَعُ في الدُّنيا يُحذِّرُنا ... من مَسْلكٍ مُوهِنٍ للدِّين والوَطنِ
****************
يا عُصبةً جنحت للخُلْفِ في اليَمَنِ ... صونوا البلادَ عن الأحقادِ والضَّغَنِ
صونوا الإخاءَ فمهما اشتدَّ بُؤسُكُمُو ... بُؤسُ الشِّقاقِ خبيثُ الضُّرِّ والمِحَنِ
صونوا النُّفوسَ بِلَمِّ الشَّمْلِ فاتَّحِدُوا ... وجنِّبُوها به مَوجَ الرَّدَى النَّتِنِ
أسافلُ القومِ والغَوْغَاءُ غَرَّرَهُمْ ... حُثالةُ الكُفرِ والأهواءِ والبُطُنِ
أما لهم بصرٌ يُبْدِي المرادَ بهم ... أم غارتِ الأعينُ العوراءُ في الجُفُنِ
ما بالهم يُهلكون الدِّين في وَطَرٍ ... ويدفنونَ الهُدى بالغلِّ والرَّعَنِ
كم في الدُّنا من بريء ٍضَجَّ من ألمٍ... قد طاله الضُّرُّ بالأوهامِ والظُّنُنِ
يا سادةَ الرَّاي في أرضٍ يُباركُها ... حُبُّ الرَّسولِ قِفُوا للموقفِ الفَطِنِ
أهلَ العقولِ ويا أهلَ العلومِ بها ... شُدُّوا الزِّمامَ بحبلِ الذِّكْرِ والسُّنَن2ِ
خذوا النَّصيحةَ من بلوى جزائرنا ... فالإثمُ مُقترفٌ في السِّرِّ والعَلَنِ
أمواجُ فتنتها العمياء قد جَرَفَتْ ... أزهارَ صَحوتِها، آلتْ إلى العَفَنِ
استبْسِلوا في بيانِ الحقِّ وانتظمُوا ... في وحدةٍ تعصمُ الأرواحَ من حَزَنِ
وفَوِّتُوا فرصة البلوى على قَذِرٍ ... قد بات يضحكُ بالبلوى على الذُّقُنِ
وأرصدوا آية القُربى ولُحمتها ... لكيدِ ذي دغَلٍ او زيغِ مُفتتَن ِ
*********
أنُهْلِكُ الدِّينَ في دنيا تفرِّقُنا ... والقبرُ غايتُنا واللَّفُ في الكَفَن؟ِ
أنهدمُ الصَّفَّ والبلوى تطاردُنا؟ ... قد هيَّجتْ في حمانا الدَّمع بالسَّنَنِ3
فكم على الأرض من عانٍ يناشدُنا ... يا أمَّة الحقِّ ظلمُ الكفرِ مزَّقنِي
وكم على الأرض من أختٍ لنا هُتِكَتْ ... أستارُها فغدت مُلكًا لِمُرتَهِنِ
ويلٌ لقادتنا، ويلٌ لسادتنا ... في الحُكم والعِلم من آثام ذا الزَّمَنِ
ويلٌ لأمَّتنا من كَيْدِ شانئها ... إن حُنِّطَتْ في الهوى بالغِلِّ والوَهَن
هوامش :
* السنن هنا قوانين الطبيعة والاجتماع
* السُّنن هنا سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام والزنداني هو عالمنا المعروف حفظه الله
* السَّنن هنا جريان الدمع