نزاهة الشِّعر في عصر الخيانة
عبد الله ضراب الجزائري
***
وطّنتُ نفسي على صبرٍ يُنزِّهني ... عن رِبْقةِ الذلِّ في بذلِ السّلاطينِ
فلا أميلُ إلى ذي سُلطة طمعاً ... إنَّ الزَّهادة تاجُ العزِّ والدِّينِ
كَتبتُ جَمًّا ولكنْ لم أقف أبدا ... لأشحذَ المالَ من أهل النَّياشينِ
شِعري جهادٌ لأجل الحقِّ أنظمُهُ ... فالحقُّ يسطعُ في فحوى عناويني
إذا مَدحتُ فمدحي للألى سلكوا ... دربَ الفضيلة لا دربَ الشياطينِ
وإنْ هجوتُ فهجْوِي سهمُ مُنتصرٍ ... لله والحقِّ من ذي السُّوء والشِّينِ
الذلُّ أسهلُ من عزٍّ أهيم به ... إنَّ الكرامة تأبى لوثة الطِّينِ
***
في عالمِ الشِّعرِ أبقارٌ مُدجَّنةٌ ... تهفو إلى العلَفِ المسمومِ بالهُونِ
تُعلي خَساسة حُكَّامٍ ذنادقة ٍ... صاروا طلائعَ في أجناد صهيونِ
تباًّ لذي قلمٍ يرضى الهوان ولا ... يعتزُّ بالعقلِ في عصر المجانينِ
ماذا يساوي أميرٌ خائنٌ نزِقٌ ... يشري المديحَ بأرزاق المساكين؟ِ
ماذا يُحصِّلُ ذو شعرٍ يُسخِّرُهُ ... لأقذرِ الخلقِ في التّاريخ والكون؟ِ
هل شأنُ مُتَّضعٍ يُعليه متَّضع ٌ... داس الفضيلة في سوق الملايين؟ِ
مدحُ الوضيعِ هجاءٌ يستهين به ... لا يورثُ العزَّ أضراط المعافينِ
يا مادحَ الخُرْءِ في أرض الخليج أفقْ ... أهدرتَ شعركَ في أدناسِ مفتونِ
عارُ الخيانة والإسفاف يلبسُه ... وكيف يشرفُ ملعونٌ بملعونِ؟
من يخذل الحقَّ لا ينفعْه ما ملكوا ... سيخلد الدَّهرَ في الإعنات والدُّونِ
وقفت َضدَّ مليك الكون مُجترئا ... في مدحِ وغدٍ بِغَيِّ الكفرِ مسكونِ
وقفتَ تُضفي على أدناسه دنساً ... حتَّى تفيضَ على كلِّ الميادينِ
***
إنَّ القناعة عزٌّ لا أخالفُهُ ... الخبزُ والماء في الإسلام يُغنيني
ولا أبيعُ هدى الرّحمن في طمعٍ ... والدَّهرُ من قدَرِ الأحياء يُدنيني
سألعنُ الخائن الغدَّارَ ما خَفقتْ ... بالعزِّ والحقِّ والتَّقوى شراييني
واللهُ ينصرُ أهل الحقِّ إن صبروا ... أمرُ الخلائقِ بين الكافِ والنُّونِ